الأربعاء، 23 ديسمبر 2015

إعلان

للراغبين في شراء كتابي القصص وبدر ، لمفرج السيد يمكنهم الإتصال بأبي زياد على جوال رقم ( 0554343479) ..




**********

.قراءة احتفائية / نقدية في كتابي مفرّج السيد
” بدر و وادي الصفراء عادات و تقاليد حكايات و ذكريات “
و ” قصص و أساطير شعبية من منطقة المدينة المنورة ( بدر و وادي الصفراء )
تظلّ الذاكرة الشفهية ُ في مدراها الصوتيِّ من اللغة ، خاضعة ًلظروف ذلك المدار و تقلبات مناخه ، فتتراكم عليها الزيادات ، أو ينحت منها النقصان ، و قد توجّهها رياحُ ” الأغراض ” الموسمية ِلجهاتٍ خارج سياقها الإنساني الأوّل ، و ربّما يبتلعها النسيان بغياب رواتها من الأحياء .
و على ذلك كانت – و ما زالت – أعمال الرواد ، و تطلعات الريادة ، في توثيق تلك الذاكرة عميقة في وقعها الإنساني ، مقدَّرة و محبوبة في محيطها الاجتماعي ؛ إذ فيها تتراءى الأجيال صورة السابقين ، و تترك طيفها للاحقين .
و مما نحسبه – بفخر و ثقة – من تلك الأعمال الريادية الرائعة ، ما خرج من نور ذاكرة الأديب و الشاعر البدري الكبير مفرّج بن فراج السيّد – حفظه الله – إلى نور الأوراق ، فالمطبعة ، ثم نور أعيننا المتعطّشة لمثل تلك الأنوار . و أعني الكتابين الذين صدرا مؤخرا عن دار المفردات بعنوانين هما : – الأول : بدر و وادي الصفراء ” عادات و تقاليد ، حكايات و ذكريات ”
– و الثاني : قصص و أساطير شعبية من منطقة المدينة المنورة ” بدر و وادي الصفراء ” .
و الكتابان يعتمدان – كما هو الواضح من العنوانين – الاستذكار منهج تأليف ، و الذاكرة محتوى مغذّيا ؛ لذلك صار فيها الاستطراد – المذموم عادة – ميزة زادتهما حيوية ، خاصّة و السيّد يخرج مستطردا بوعي ، و يعود إلى موضوعه مذكّرا القارئ بموضوعه الأول
و قد بدأ السيد كتابه الأول ( بدر و وادي الصفراء ” عادات و تقاليد ، حكايات و ذكريات ” ) بمقدمة شرح فيها اعتماده على الذاكرة ، و أنها معرضة لطبيعتها ، من الحضور و الغياب كما يقول ( ص 5 ) ” فقد يفوتني بعض منها لأنها حصيلة الحفظ و الذاكرة ” .
ثم عالج – في المقدمة أيضا – مسألة ،الإعراب في إيراد القصص الشعبي، خاصة مع مفردة ” أبي ” كثيرة الورود في الحكايات و الأسماء ، فانتهى إلى نتيجة ( ص 6 ) ” لذا فقد أثبتها ” أبو ” كما ينطقها العامة في كل حالاتها ” . و كذلك عالج مسألة كتابة الشعر الشعبي ، و هي مسائل مطروحة أمام من ينهض لمثل هذه التوثيقات ، و رأيه فيها الالتزام بها كما تنطق ، معتمدا على فطنة القارئ ، في التماس ما يتشابه منها ، مع غيرها ، أو يتداخل في المعاني ، و ضرب مثلا بذلك ( ص 6 ) : كلمة ” فقران ” و قال بأن كتابتها في قران ، يكسر وزنها – إن كانت في شعر – و يعطل سلاسة نطقها الإيقاعي ، و الأمر كما يقول السيّد ، مع ملاحظة أن مثل هذه الكلمات بهذه الكتابة تتطلب قارئا منتبها للإدغام الذي حصل بحذف الياء من حرف الجر في ؛ حتى لا تختلط عليه الكلمة بغيرها ، و يبتعد المعنى المراد عنه ، لذلك فلو كتبت في قران هكذا ” فــ قران ” بحذف الياء مع فصل الفاء عن الكلمة لربما كان أقرب في أداء المعنى المراد ، و أحوط في عدم خلط الكلمة مع غيرها ، خاصة و أن الكتابة ” الكيبوردية ” تساعدنا في ذلك كثيرا ، و قد أحسن السيد أيراد هذه المسائل في مقدمته حتى يستفيد و ينتبه القارئ .
ثم إن الكتاب في محتواه ثري المعاني ، غزير المعلومات ، حصر كثيرا من شؤون بدر ، و هي شؤون البدو و البادية عامة ، محاولا استقصاء مظاهر حياتهم جميعها ، فذكر خيامهم و ما يتعلق بها ، و رحيلهم و إقامتهم ، و دوابهم ، و زراعاتهم ، و ملابسهم ، و كل ما له علاقة بوجودهم ، ساعده في ذلك حالة الفراغ التدويني الذي سبق مؤلفه البديع عن بدر .
فالناظر لعنوان الشديد و المحضار يعيش حالة إنسانية ، لا يعرفها جيلنا الحالي ، مرحلة انقضت ، و تاريخا مضى ، يحاول السيد استقصاء جوانبه المختلفة ، حياتيا ، و لغويا .
و السيد في كتابته تلك سلس العبارة ، دقيق الألفاظ ، بعيد عن اللحن النحوي و الأخطاء الإملائية ، كثير الاستشهاد بالشعر الشعبي ، من كسرة و خبيتي ، و بدواني ، و قصائد طويلة .
كما إنه يرفد كلّ ذلك بحرفة معجمية يشرح فيها المتداول من الكلمات في حالتها الشعبية ، داعما لها بالحركات ، و تبيين الأصل الفصيح في بعضها ، مما شكل ربطا للواقع بالمعاش و لغته المحكية ، و بالواقع الأكبر و اللغة الأم في الفصحى ، الشيء الذي صبغ الكتاب بعاطفة ، يشعر القارئ بها حميميّة ًتسري في فؤاده .
و في الكتاب أيضا فصل ، عن القبائل ، و الأنساب ، ارتبكت فيه العبارة ارتباكا يبلغ حدّ الوهم و الخلط ، خاصة لمن لا سابقة علم لديه في توزيع القبائل و بطونها .
و مردّ هذا الارتباك عندي ، أنّه أعملَ الذاكرة في غير معمولها الصالح لها ؛ و أنشبها في محتوى لا تحتمله ، أعني أن أشغل الذاكرة في علم موثّق ، و مشروح ، و متداولة كتبه .
و لو أنّ السيد ذكر القبائل بسرد حكائي ، أو قصّ تقريبي – كقوله في آخر الكتاب جار لنا من صبح – لربّما قبل ذلك ، أما العمل بالسبر و التقسيم في النسب اعتمادا على الذاكرة الذاتية ، فقد أوقع الأديب الكريم في أخطاء كثيرة من أوضحها ، اضطراب فكرة التقسيم المعروفة في المراجع عن قبيلة صبح ، فيذكر ( ص 111 و ما بعدها ) اللبدة مثلا و بعض بطونها ، ثم يستطرد عن غيرها و بعد نصف صفحة يعود لها بذكر بطون أخرى و يذكر تقسيماتها .
إن هذا الحديث المتنقل عبر الذاكرة يفقد موضوعا يحتاج اللملمة ، و التقسيم الصارمين ، قدرته على إيصال المعنى الصحيح . خذ هذه الجملة ، و سأنقلها بنصها :
” قبيلة صبح و منهم اللبدة و منهم البكارية و هم المنايفة و المساميم و الدراويش و هم الوقري و المسافرة و الجروة و الثوامرة و الكسب و هم أصل الثوامرة و البواشكة و الخرصة ”
فالجملة هنا فيها اضطراب واضح في منهجية السبر و التقسيم ، فربما ظن قارئ غير ذي اطلاع أن البكارية فخذ من صبح مقابل للبدة ، و أنهم ليسوا بطنا منها ، كما أنه ليست في هذه الجملة التي تحتاج الكثير من علامات الترقيم المساعدة على فهم المعنى ، أية فاصلة أو نقطة أو قوس .
إن لأستاذنا الكبير مفرج السيد أن يرد بقوله : إن ضمير الغائب في قوله ” منهم ” للأقرب السابق ، و هذا صحيح لغويا لكنه لا يرفع الاضطراب ، و لا يقوي فرصة وصول المعنى عند المطلع فضلا عن غيره . ثم خذ عبارة أخرى تشرح المقصود ، يقول حفظه الله نصا ( ص 111 ) ” و من القحوم من صبح الطيرة و المكاثرة و من قبيلة صبح أيضا القوافة و العضبان و المرازيق و هم من ولد عليان ”
فلا شك أن العبارة موهمة بغير مراد السيد ، إذ هي مباشرة الدلالة على أن القوافة و العضبان و المرازيق من ولد عليان ، و أنا – أعلم أنه عبارته ” و هم من ولد عليان ” يقصد بها المرازيق حصرا ، لكن العبارة لا تدعم المعنى أبدا ، كما أنها تخرج القوافة و العضبان من القحوم باقتصارها على الطيرة و المكاثرة .
و مثلها الجملة التالية لها و هي نصا : ” و الركيبات و الجخادبة و المطران و السرحة و المطارقة و العتق و الوبرة و هم من ولد عليان ” . و كل هذه البطون حقيقة هي من صبح كما ذكر السيد ، لكن ترتيبها و نظم شجراتها النسبي مرتبك جدا ، و يوحي بمعنى بعيد عن المراد إيصاله .
ثم اقرأ هذه العبارة نصا : ” و الشعيرات و الشماسات و الزيالعة و البواشكة و هم من اللبدة ”
و فيها ما في سابقتيها من الاضطراب المربك للقارئ ، مع زيادة أن الشماسات ببدر ليسوا من صبح نسبا بل هم أرحام و أصدقاء ، إذ نسب الشماسات معروف ( انظره في نسب حرب للبلادي ص 72 ) . أما الشعيرات و الزيالعة و البواشكة فمن صبح و كل منهم من بطن مختلف .
و الذي أراه في الطبعات القادمة – و هي كثيرة إن شاء الله – أن تصوب هذه الأخطاء بالعودة للمراجع المعروفة الحديثة أو القديمة كمؤلفات الجاسر و البلادي و الأخير صديق لمفرج السيد و لا بد أنه على دراية بجميع مؤلفاته ، و قد التقى – البلادي – بالسيد في زيارة له بمنزله ببدر
( انظر : مدونة مفرج السيد ” أصدقاء مفرج السيد من خارج بدر ” ) أو الاستغناء عن الفصل كاملا و التنويه بذلك دفعا لسوء الفهم ، خاصة أنه خارج عن منهجية الكتاب الأساسية و هي الاستذكار .
و على كل فهذه الملاحظة الصغيرة لا تقدح في ريادة الكتاب و مؤلفه ، فهو مستذكر في جوهر تأليفه ، فهما صفحتان لا أكثر من 246 صفحة .
ثم إن فصل النخل الملحق بالكتاب ، فيه تكرار – و قد أشار المؤلف لذلك ، و اعتذر عنه – لو نسق ، و أدمج في الفصول الداخلية التي تحدثت عن النخيل لربما كان أكثر فائدة ، و أمتع للقارئ .
أما أمتع الفصول فهو عادات و تقاليد بدر و وادي الصفراء ، إذ فيه نرى فصولا من حياة لم نعشها ، و أيام لم ندركها ، خاصة ما لحقنا آخره ، كعادات الزواج مثلا ، و قد لاحظت بأنه كلما كان الخبر ذاتيا لاصقا ببدر و ظروفها و مناخها ، كلما فرحت به ، و شعرت بنفسي في جزء منه.
و الكتاب – رغم اعتماده منهج الاستذكار – لا يخلو من لمحات تأملية رائعة جدا من رجل خبير ، خاصة في النواحي اللغوية و الأدبية ، كقوله ( 18 ) في تعريف الكسرة الهجينية ” .. و على فكرة فأنا أعتبر الكسرة التي تزيد على بيتين و أربعة غصون كسرة هجينية ، فجمال الكسرة و روعتها تأتي في بيتين ، .. ” و لا يخفى ما في مثل هذه الآراء من فائدة كبيرة .
و من تلك التأملات العميقة قوله ( ص 118 و 217 ) : ” و النصب لهجة المنطقة في نصب المنون في كل حالاته ” و ذكر كسرة رائعة جدا كمثال هي :
ما احلى العبايه على المداح يمشي بها زيد شرع الله
وا قلبي اللي غدا نداح من جاهلا ما يخاف الله
و حقيقة كنت في انتظار مثل هذه الإشارة ، لأقطع الشك باليقين في مسألة دقيقة طالما تفكرت فيها .
أما قوله” زيد خلق الله ” فلو قيل لي لقلت ” يمشي بها زين خلق الله ” ليكتمل معنى الكسرة ، و تكتمل روعتها بكلمة نداح ” أي قلب ينبض بوجع و شوق ” ، و الله أعلم .
أما الكتاب الثاني ” قصص و أساطير شعبية من منطقة المدينة المنورة ” بدر و وادي الصفراء ” فأول ما شدني على غلافه هو عبارة ” تعليق محمد مفرج السيد ” حتى قلت في نفسي : ماذا سيقول الابن عن أبيه ؟ كيف سيعلّق اليوم على الأمس ؟ بماذا سيتكلم الواقع الجديد عن ماض ٍ و ذكريات ؟
و ما أن فتحت أوّل القصص ، و بعد المقدمة المختصرة ، التي أسند فيها الحكايات لرواتها على مسامعه ، و من أولهم ” أمه رحمها الله تعالى ” .
و مع أول تعليق لمحمد بن مفرج السيد ، التقطت المنهجية التي اعتمدها ، و وفّق لها ،للوصول لذات المعنى الذي يقصده السارد الأول و هو الأب مفرج .
فإذا كان مفرج السيد قد وثّق ذاكرتنا المحلية الخاصّة ، بألفاظ بدر ، و جغرافيتها ، و أسماء حاراتها ، و نخيلنا ، و أثبت بصدقه مع نفسه ، و مع رواته ، و قارئيه ، أننا في بلدتنا الصغيرة الشبه منسية – نتقاطع مع الهمّ الإنساني ، و يغمرنا الحلم الآدمي الإقليمي بل و العالمي ، فإن محمد ” ابن مفرج ” قد عمد لكشف تلك التقاطعات ، و تحسّس تلك التّمَاسّات بنور البحث العلمي ، عامدا لها في مواضعها المدونة ، مقارنا بينها و بين ما دوّنته ذاكرة أبيه نقلا عن جدّته ، مما أكمل دائرة التقاء الخاص بالعام ، و الذاتي بالغيري ، و المحلي القريب بالعالمي البعيد .
و لكم كانت دهشتي ، و سروري بتعليقات محمد السيد ، و التي تمثل دراسة رائعة في عقد المقارنات و بيان أثر البيئة و المعتقدات في تكوين الاختلاف السرد الأسطوري في المجتمعات .
إنه يتابع القصة بحياد باحث ، و يلتقط لحظة التماس ، أو يشعر بحركة المعنى المتغير ، بين نصّه ، و ما يتوقعه عند غيره ، ثم يرجع للمراجع و المظانّ الـممكنة ، و غالبا ما يظفر برؤية المختلف السطحي المباشر ، الناتج عن متشابهات داخلية عميقة ، تشير للتنوعات المؤثرة كالجغرافيا ، و التاريخ ، و العقائد ، بل و الصبغات الدينية المتغيرة تبعا للتقلبات السياسية .
و الكتاب من أوله حتى آخره قصص في مجملها مذكورة في غيره من كتب القصص و الشعبيات و الأساطير المحلية و العالمية ، لكن ميزتها هو توثيق النكهة البدرية الخاصة ، و الملتصقة بتلك الحكايات . تلك النكهة التي تتنوع ، و هذا بعض الأمثلة و ليس المجال للحصر و الاستقصاء :
– فمرة تكون بذكر جغرافية بدر ” كالعطن و العطين ” ( ص : 256 ) أو “دف علي
( ص : 308 ) أو ” الجار و البريكة ( ص : 325 ) .
– و مرة تكون تاريخية كسيل أبي نفوس ( ص : 315 ، 317 )
– و أخرى تكون لغوية يلتزم فيها السيد لهجة بدر و مسمياتها .
بل يثبت المعلّقُ – محمد السيد – أحيانا في تعليقاته ، خصوصية – لم يذكرها السارد أبوه – لبدر تصريحا كقوله في الهامش ( ص 246 ) عن قصة لحّاس الخرزة : ” يذكر الرواة أن أحداث هذه القصة جرت حقيقة ، و أن الرجل كان من أهل بدر ” .
و العبارة من محمد السيد تشي بأنه يصدق هذا الافتراض ؛ لأنه دقيق في ألفاظه ، فكثيرا ما يستعمل ألفاظ التضعيف كزعموا أو قالوا ، و لا أعلم كيف يمكن لباحث مثله في الأساطير تصديق مثل هذا الخبر و تلك الأسطورة ، و الذي أراه أن سرّ ضعفنا أمام أسطورة كهذه ، هو غياب المغزى منها ، و صعوبة التماس العبرة فيها ، فليس فيها موعظة ظاهرة ، أو حكمة جلية ، مما يضعنا تحت سلطة الغموض ، فنجنح لقبولها .
و مع كل ذلك فالكتابان يفتتحان مرحلى ثقافية جديدة لبدر ،و إنني أكرر تغريدتي الفرحة بصدور الكتابين حيث قلت ” بهذين الكتابين يكمل مفرج السيد ريادته الثقافية ببدر و وادي الصفراء ، شكرا له و لابنه محمد ، و لنا المتعة و الفائدة” . بل إنني أقول له هنا ما أرسلته له هناك :
سيّد معاني و سيّد قاف ْ و سيّد على الناس بـ أخلاقك
يا ليتني للكتاب غلاف اللي حوى حكمة أوراقك
أسأل الله له الصحة و العافية و المزيد من التقدم في الخير و العلم و الازدهار
خالد حسين الصبحي
8 / 3 / 1437 هـ

***********


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

كسرات 2-1-1440هـ

كسرات 2-1-1440هـ قلب العنا لا غدا تلفان مثل العظم ما قبل تجبير دمع الأسى حَجَّر الأجفان والشعر يعجز عن التعبير ** نَفِّسْ ع...