مولد الهدى
الكون والدنيا سنى وسناء
|
والدهر معقود المنى وضَّاء
|
وُلد الهدى لما أهلًّ محمد
|
فتناقلت أخباره الأنباء
|
وصلت إلى البدوي جوف خبائه
|
حتى الرعاة تضمهم صحراء
|
واستبشرت فيه الملائك في العلا
|
وتجَّمعت صفًّا لها ضوضاء
|
نقلت لآمنة البشائر زفَّها
|
جبريل يخفق في يديه لواء
|
ونقض من إيوان كسرى جانب
|
قد خرَّ للشرفات منه بناء
|
وهوت نجوم الليل من أفلاكها
|
يُرْمَى بها في أفقها الخبثاء
|
من كلِّ شيطان تسلَّق منصتاً
|
والله ليس عليه من خفاء
|
والكون في تلك الطبيعة حائر
|
متسائل ما هذه الأشياء
|
حتى تجلَّت للأنام حقيقة
|
عنها درى القرباء والبعداء
|
هذي السماء تزف في أفراحها
|
للأرض بشرى ما حوتها سماء
|
وتمخضت أم الرسول فأنجبت
|
خير الأجنَّة ضمت الأحشاء
|
ربَّاك جدك بعد أمّك ما مضت
|
وثوت هناك مقرُّها الأبواء
|
من بعده ربّاك عمُّك يافعاً
|
وأتت بفقدهما لك
الأرزاء
|
في ظرف عام في الفناء تتابعا
|
فتعمدت إيذاءك السفهاء
|
سمَّيت هذا العام عاماَ محزناً
|
والحزن قد باحت به الأصداء
|
من بعد أمّك أرضعتك ثويبة
|
وحليمة ضاقت بها الأبناء
|
حملتك فوق أتانها فتقدمت
|
وهي التي أزرى بها الإعياء
|
وبيمن طالعك السعيد ومنة
|
من فضل ربك درت العجفاء
|
وأتتك من بعد النبوة بنتها
|
ومضت بخير أختك الشيماء
|
من قبل بعثتك الشريفة جاوزت
|
قامات مجدك أفقها الجوزاء
|
سُمِّيت بالرجل الأمين وصادقاً
|
في فترة ندرت بها الأمناء
|
وحكمت في الحجر الكريم ووضعه
|
فأقرَّ ما أمضيته الشرفاء
|
وعملت حيناً في التجارة رابحاً
|
ومربَّحاً فشدا بك العملاء
|
ورأى بحيرا في سناك ملامحاً
|
دارت عليها طلعة غراء
|
ورأى النبوة في جبينك رسمها
|
ويلوح منها في الجبين ضياء
|
علم عن الأسلاف في أسفارهم
|
عرفت حقيقة سرّه الفهماء
|
أوحى لجدك خائفاً ومحذِّراً
|
كيد اليهود فإنهم أعداء
|
زُوِّجْتَ أم المؤمنين خديجة
|
والطبع منها عفة وحياء
|
ولدت لك الأخيار من ذرية
|
عاشت وراءك منهم الزهراء
|
واستك في العهد القديم بنفسها
|
والعطف منها جنَّة ووقاء
|
تأتي إليك بصبحها ومسائها
|
لما يضمك في الخلاء حراء
|
وإلى المدينة هجرة ميمونة
|
للدين فيها رفعة وعلاء
|
بجوارك الصديق فارق أهله
|
وله من الرأي الحصيف مضاء
|
أما علىٌّ في فراشك نائم
|
يفديك مختاراً وعز فداء
|
بالغار عن طلب العدى أويتما
|
حتى توارت عنكما الرقباء
|
غير الذي ساخت به أقدامه
|
كادت تواريه الثرى الغبراء
|
العنكبوت بنى خيوطاً حوله
|
وبقربه قد عششت ورقاء
|
والزاد يأتي في المعاد بخفية
|
تغدو به في وقته أسماء
|
ويحوم راع يستحث شياهه
|
كي تطمس الآثار تلك الشاء
|
يا سيدي والمعجزات تتابعت
|
فيها لمبعثك الكريم جلاء
|
للقدس في ليل تلفح بالدجى
|
وبأمر ربك ذلك الأسراء
|
جبريل قد كان الدليل لرحلة
|
ليلية سادت بها الظلماء
|
وركبت من ظهر البراق مطية
|
فاقت لمركبة يضم فضاء
|
صليت بالأملاك أنت إمامهم
|
في المسجد الأقصى عليك بهاء
|
وعرجت في ملكوت ربك سابحاً
|
نحو السماء تحيطك اللألاء
|
حتى رأيت جلال ربك واضحاً
|
بالعين ما صاب العيون غشاء
|
ورجعت تأوي مضجعاً فارقته
|
ما غيرَّت من وضعه الأجواء
|
أما انقسام البدر يأتي آية
|
أخرى وما فيها هناك مراء
|
وبلاغة القرآن حتماً أعجزت
|
أن لو يجيء بمثلها البلغاء
|
وأبو قتادة قد شفيت لعينه
|
وبخيبر ناب الإمام شفاء
|
قلعت لهذا عينه فأعدتها
|
ما نابها من بعدها الأدواء
|
وبعين هذا قد تفلت فأبرئت
|
من طيب ريقك عينه الرمداء
|
فضل من المنان قد أعطاكه
|
فلديه للداء العضال دواء
|
يا خير مبعوث لأفضل أمة
|
كانت تشتت شملها الأهواء
|
فجمعتها في ظل دين واحد
|
والكل في الدين الحنيف سواء
|
الأثرياء حفظت فضل ثرائهم
|
فازداد منهم في الحياة عطاء
|
وفرضت للفقراء في أموالهم
|
انَّ الزكاة تكافل واخاء
|
بند الضمان ممثل في صفَّة
|
المملقون لهم بها إيواء
|
والرزق قد يسرت من أسبابه
|
فازدان في كِّل البلاد نماء
|
حتى الزراعة قد نمت أشجارها
|
وازداد فيها خضرة ورواء
|
ووضعت للمرضى علاجاً شافياً
|
في الطب ما عجبت له الحكماء
|
ومعلِّم الأجيال علماً زاخراً
|
الدين والدنيا به شركاء
|
أكرم بأمّيٍّ يعلِّم قارئاَ
|
حتى استقى من نبعه العلماء
|
ولحكمة قد كان في أمِّيَّة
|
كي لا يقال روى له القدماء
|
فجزاك ربك خير ما يجزى به
|
فلديه يا خير الأنام جزاء
|
وعليك صلى الله جلَّ جلاله
|
ما غردت في وكرها فتخاء
|
يا خير خلق الله ماذا في يدي
|
من ملكة يشدو بها الشعراء
|
أفجر الشعر الجميل قصائداً
|
كجداول ينساب فيها الماء
|
إذ أن شعري في مديحك عاجز
|
يجري فيقصر في الثناء رشاء
|
لكنني أدلي بدلوي في ندىً
|
قد فاض ما اضطربت عليه دلاء
|
فاقبل قصيدي يا رسول فإنه
|
بمديحك الغالي له الإطراء
|
واصفح عن التقصير إني شاعر
|
لي من رضاك قصائد عصماء
|
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق