بسم
الله الرحمن الرحيم
الزواج
موضوع الزواج واسع وأرجوا
أن أحيط به وإن فاتني شيء منه فذلك راجع لضعف الذاكرة وأسأل الله العفو والعافية .
والزواج يبدأ برز الفازة
ورز الفازة يعني بناءها والفازة عبارة عن أعمدة من الأخشاب وجذوع النخل تثبت في
الأرض في بيت مخصص للفازة وتوضع عليها المقاطع وهي أروقة بيوت الشَّعْر بفتح الشين
كظل للناس .
والفازة قديمة فقد ورد في
كتب التاريخ في غزو المسلمين للْخُتَّل أن قائد المسلمين بنى لجنده فازة وهي
كالفسطاط أو الصيوان يغطى بالقماش المتين ، والفازة الحالية في السنوات الأخيرة تغطى
بأشرعة السيارات اللاوري ، وتضاء الفازة في
الليل بفوانيس كبيرة لها زجاج ملون الاطراف من أعلى .
ورز الفازة يقام قبل أسبوع
من الزواج ويلعب فيها الرجال لعبة زيد والبدواني والمقطوف في النهار وفي الليل
يلعب فيها النساء بعض ألعابهن النسائية وقد وجهوا قبلها الدِّعَويَّه لكل أهل
البلد ، ويقف الداعي على كل واحد في بيته ويقول له : يقول لكم أبو فلان فنجال قهوة
على زواج ابنه في يوم كذا وكذا ، وتصل الدعوة إلى قرى الجديد والبركة والفارعة
والعاليه والحسينيه والواسطة بل وإلى الخرماء والحمراء ، ثم اقتصرت على أهل البلد
ثم اقتصرت على الجماعة والجيران والأصحاب في أدنى مدى ويرسل كل مدعو قويدته مع
ابنه أو من يلوذ به ويقول من يوصل القويده : يقول لكم الوالد أو العم فلان هذه
قويدتكم وقدركم أرفع ، ويردون عليه : الله يكثر خيره .
وهم يحددون يوماً يسمونه يوم الراي
يجتمعون فيه ويناقشون ما يريدون مناقشته ومن ضمنها تحديد المجالس المحددة للمعازيم
وتفريق الناس على هذه المجالس لأنه لا توجد قصور أفراح في الزمن الماضي .
وفي يوم الزواج يكلفون شخصًا أو شخصين
بعمل القهوة والشاي للمعازيم مع ما يعمله النساء لهم ويكلفون مجموعة من المواليد
بعملية ذبح الذبائح وطبخها وتكون عظم ومواجيب بعكس الآن إذ يعملونها تكسير وجزاري
، ويقف مجموعة من الشباب والشيوخ في انتظار المعازيم بعد صلاة الظهر يستقبلون
المعازيم ويحيون بهم ويوزعونهم حسب المجالس ويقدمون لهم القهوة ثم الغداء والشاي
وكذلك يعمل النساء فهن يدعون نساء الجيران وفي نفس الوقت يرسلن لهم غداءًا في
البيوت لمن لم يحضر من أفراد كل بيت كما يرسلون عدة مواجيب لأهل البنت حسب طلبهم
ويبعثون لأهل البنت الأرز والدقيق والسكر والشاي والبن والهيل والكسوة بكميات
وافرة لهم ولمن يخدمون عندهم ، كما يقوم النساء بتوزيع الحناء [ الحناء يوزع قبل
بناء الفازة وهو بمنزلة كروت الدعوة حالياً ] وهو عبارة عن كيس أو كيسين من الحناء
يجلبها صاحب الزواج وتوزع على كل المعازيم .
وعنما يتغدى المعازيم ويتغدى النساء ومن
حضر بالفازة من النساء اللاعبات والمغنيات وهن مولدات البلد يقوم النساء بعمل
النَّقْفَه وهي لعبة من ألعاب النساء لها أنغام شجية [ في يوم النقفة توضح تفالة
مملوءة بالحناء ويلعب عليها والثفالة هي مفرش صغير من سعف النخل الملونة ] وتحضر
كل امرأة من الأقارب والجيران وهي تحمل حناءها أو لُصْقَها وهو مبلغ من المال حسب
العوائد ويلعب النساء ويرقصن حتى أذان العصر وبعد صلاة العصر حتى بحضر الرجال
للتصويت على العريس الصوت الأول، ويحضر
العريس وجميع الأقرباء وبعض من المدعوين ويقف العريس وبجانبه والده في ركن محدود
من الفازة مجهز لهذا الغرض وبه جريدة من النخل خضراء طويلة مرتكزة إلى الجدار
ومثبتة بالأرض تسمى طَرَفًا وبها راية خضراء أي علم ودملج فضي ويقف المصوت بجانب
العريس وأحيانا يكون هناك مصوتان يتناوبان بالتصويت وأذكر من قولهم :
يا ساعتنا يا
ساعة الرحمن
وكأنني أتذكر أحد المصوتين يقول :
بنات كليب في
الحزن الطويل
وكأنه يذكر بقصة كليب والمهلهل وابن
عمهم جساس .
وسألت أحد المصوتين من المتأخرين عن سر
هذا القول المحزن في ليلة فرح فقال لي : إنني لم أسمع بهذا الكلام في التصويت .
والناس من أهل الزواج يرشون العريس
والقريبين منه في الموقع بماء الورد وترى الشباب يتعرضون ليصيبهم ذلك .
ويرافق الصوت إيقاعات مناسبة على الزير ، وبعد
انتهاء التصويت يبدأ لعب الزير ويبدأ بالحرابي فيغني الناس ويصفقون صفقة مناسبة
ويرقصون بالسيوف الموضوعة بجانب الزير ، ويفرش دقاق الزير منديلاً بجانبه فكل من
رقص وضع بالمنديل المفروش ما يجود به من المال وكذلك يفعل العريس وإخوته وأقاربه
ولكن بمبالغ أكبر وما تجمع في لعبة الحرابي يكون ريعه للدقاق ومساعده أمين الزير
الذي يبقى دائماً في عدته .
وبعد الحرابي يلعبون لعبة زيد أو
البدواني حسب الربابين والمزاوريه الموجودين حتى يؤذن المغرب .
وبعد العشاء يكون دخول العريس فيلبس فوق
ملابسه العقال المقصب والمشلح ويحتزم ويقال يتعقط بحزام من الحرير والقصب يسمى
الْمْخِمَل يغرز الجنبية به ويحمل السيف بغمده في يده ويقف بجانب الجريدة والراية
المنوه عنهما سابقًا ويصوت عليه كالصوت السابق ثم يخرجون بالعريس إلى بيت العروسه
وهو في المقدمة وهم يغنون ببعض الكلمات ومنها :
* يا الله طلبتك
ساعة وهي أبرك الساعات ** فيها فرج من الله يكفي عن السيات
* عريسنا دخل دخل
** بين الشريعه والنخل
والشريعة هنا العين وعندما يصلون إلى
بيت العروس [ إذا كان العريس متزوجا من خارج البلد فإنهم يذهبون به إلى المسجد
ليصلي ركعتين به ويعود إلى الملعبه ليتلقى تهاني المباركين وفي غد يذهبون به إلى
بلدة العروسة ] يحيى بهم والد العروسة
وجماعته ويأخذ العريس هو أو من ينوب عنه ويدخله على عروسته ويبقى المرافقون
ينتظرون على الباب وهم يرقصون ويغنون :
نشحن الملح ونزين
دقه
وبعض الناس يقول :
وصحين المالح
ومزين دقه
ولكن الصحيح ما ذكرنا ، فهم يعنون به ملح
البارود فأغلب أهازيج الزواج والألعاب حماسية ورجولية وأهازيج حرب مجاراة للعصر
والبيئة التي هم عائشون فيها ونحمد الله للأمن والاستقرار الذي نحن عائشون فيه
وأدام الله لنا حكامنا وولاة أمرنا وجزاهم عنا خير الجزاء في الدارين .
وعندما يدخل العريس إلى حجرة عروسه يجد
أمامه مولدة [ المولدة هي التي تخدم العريس والعروسة في البيت لمدة ثلاثة أيام أو
أسبوع حسب حاجتهم . ] تقف وهي تحمل فنجاناً من القهوة فيتناوله منها ويشربه ويضع
في الفنجان الفاضي مبلغاً من المال ثم يستقبل القبلة ويصلي ركعتين ثم يجد الحجرة
مقسومة قسمين بستارة من القماش تسمى المحبس فيقشع المحبس ويقف على رأس العروس ويضع
يده على رأسها ويدعو الله أن يبارك له فيها ويصلحها له ويرزقهما بالذرية الصالحة
ثم يخرج ويعود مع مرافقيه إلى ميدان كبير قد أعدت به المفارش والمساند ويجلس في
موضع مهيأ له حيث تقام الملعبة لزيد والبدواني وكل من جاء سلم على العريس وبارك له
.
وقبل منتصف الليل يسري إلى بيت والديه
وينام هناك ويظل طوال ذلك اليوم ببيت والديه حتى صلاة العشاء فيذهب مع أقربائه إلى
بيت عمه والد زوجته ويتعشى مع خاصة المدعوين من الْفَتَّه وهي عبارة عن فطير ولحم
ومرق وهو ما يسمى في اللغة العربية بالثريد .
وهذه التكلفة التي تقام في بيت والد
الزوجة هي أصلاً مجلوبة من عند أهل العريس فهم يبعثون لهم بالدقيق والخراف وهم
يقومون بعمل اللازم فيها .
وبعد تناول طعام العشاء تدار عليه
القهوة والشاي وفي حدود الساعة الحادية عشرة يقول والد العروسه هيا يا فلان إسر
إلى أهلك ويذهب معه هو أو من ينوب عنه إلى باب الحجرة ثم يذهب عنه ويتركه وشأنه .
وفي الصباح يجلس العريس ومعه بعض أقاربه
من هنا وهناك في مجلس عمه ويأتي له وفود المهنئين ويسمونهم المباركية وهم يقولون
للعريس : مبروك ما سويت ، وتستمر المباركة يومين أو ثلاثة .
وفي نفس الوقت الذي يلعب فيه الرجال لعب
زيد والبدواني بعد عودة العريس من الدخول يكون النساء في الفازة يمارسن ألعابهن
وهي الخفيف والرديج ، وهو غير الرديح الينبعاوي ، والمواليد .
وفي المواليد يوجد المشرعات وهن نساء
يختارهن أهل العريس يتكون من أربع أو ست أو ثمان يفرش لهن فراشاً خلف اللاعبات وتوضع
لهن المساند يتكئن عليها وهن جالسات ومع كل واحدة منهن مروحة من سعف النخل تروح
بها على نفسها وتلبس كل واحدة منهن ثوبًا يسمى الْبُرُنْجُك وهو ثوب فضفاض بألوان
من الحرير المطرز وكل فترة ينزلن إلى حومة الرقص .
وبعد أسبوع تهد الفازة ويسمى هذا اليوم
يوم قلوع الفازة ، وفي ليلته السالفة يقيم النساء اللعب ويسمى هذا اللعب التتاريب
فهم يتربون للولد والتتاريب هي عبارة عن أهازيج غنائية في مديح العريس وأخواته ومن
يلوذ بهم ومن هذه الأهازيج :
* ليه يا المجمول
تخلف وعدنا ** يا الله المطلوب تحفظ ولدنا
ويقولون للأخت الكبرى للعريس :
* يا فلانه يا
اخت العريس ** يا لولو في قراطيس
كما يمتدحون بقية أخواته إذا كان له
أخوات أخر ، بأهازيج مناسبة ، ويقولون للبنت الصغرى :
* يا فلانه يا ام
زميم
ولها تتمة لم تحضرني الآن .
وفي صباح اليوم السابع يقوم الرجال
باللعب بالفازه وهو آخر لعب ثم يقومون بنقض الفازة وهو قلوع الفازه كما أسلفنا
وبذلك تنتهي كل مراسيم الزاوج .
لم أشر إلى موضوع الهدو والتخليف وهو
شيء يقوم به النساء قبل دخول العريس في الليلة الأولى ، يجمعن أغراض العروسة من
ملابس ومصاغ وعطر في خزانة كبيرة مزينة بالأصباغ ومضاءة أركانها الأربعة بالشمع
ويحملها أحد المولدين ثم يذهب بها إلى بيت العروس وهو يمشي بخطوات وئيدة تتناسب مع
إيقاعات الطيران وغناء المولدات بينما البنات يحملن الأتاريك الغازية والفوانيس
والبعض منهن يحملن المخدات والوسائد وعندما يصل ما بالخزانة ويسمى الدفع تقوم إحدى
المولدات وتخرج جميع ما بالخزانة من ملابس ومصاغ وتعرضه أمام الحاضرات وهي تذكر كل
شيء باسمه وتقول جاب كذا وكذا الله يخلف عليه حتى تنتهي من تعداد ذلك وعرضه وتسمي
هذه العملية التخليف .
وهناك نقطة أريد الإشارة إليها وهي أن
جميع المدعوات من داخل البلد أو خارجها يدفعون لأم العريس ولأم العروس أيضا
لُصْقَهُن وهو عبارة عن مبلغ من المال في لعب النساء المقام في أول يوم من أيام
الزواج وهو يوم المقام ، أما القريبات والجيران فلصقهن أو حناؤهن قد ورد في لعب
النقفه وهو الذي يقام بعد ظهر ذلك اليوم ولكنهن يحضرن ومعهن قوالب سكر في يوم
التتاريب وهو ليلة قلوع الفازة .
والآن أدخلت متغيرات كثيرة على الزواج
منها أن بعض الناس يقودون نقوداً يضعونها داخل ظرف ويسلمونها للعريس أو والده
عندما يحضرون لتناول الطعام ، وأصبح الطعام نفسه عشاءاً بدل الغداء وهو جزاري
وتكسير بدل المواجيب ، وكان في السابق يقدم
لكل شخص ما قدمه كاملاً دون نقص ولو كان شخصا واحدا .
ومراسيم الفرح الآن يوم واحد وتقام
الأعراس بقصور الأفراح ، واستحدثوا عشاءا للنساء وجلاء العروس بالقصر وجلب مغنيات من
المدن يغنين الأغاني الحديثة وكذلك فعل المغنيات الوطنيات كما إن الرجال تركوا
الألعاب الغنائية الشعبية كزيد والبدواني والمقطوف مما جعل الألعاب الشعبية
الوطنية تندثر وتكاد أن تنمحي من الوجود .
ونقطة لم أشر إليها وهي أن النساء في
القديم يتغدين في يوم المْقٌاَم وهو اليوم الأول للزواج الذي تعمل فيه النقفه
بالتمر والحوت الناشف يأتي أهل الزواج منه بكميات وافره وأيضاً يساعد الجيران في
بعض ذلك ويسمون ذلك النِثيرة .
ويقيم الرجال في بعض الزواجات العرضة
وهي عبارة عن طابور من الرجال يحملون البنادق ويتحزمون بالمذاخر المملوءة بملح
البارود ويتفنون في إطلاق البنادق في حومة اللعب .